قواعد البيوع وفرائد الفروع (ص: 65)
القصود في العقود معتبرة
أقول : قوله ( القصود ) : جمع قصد وهو إتيان الشيء وأمّه ، يقال قصدته قصداً ومقصداً إذا يممت نحوه ، ويراد بها هنا : النيات والبواعث الباطنية والإرادات النفسية ، وقوله ( معتبرة ) : أي أنه يعتد بها شرعاً وتكون مؤثرة في العقود في حلها وحرمتها فقد تكون صورة العقد والفعل واحدة لكن يكون هذا حلالاً وهذا حراماً باعتبار المقاصد والنيات ، وهذه القاعدة من القواعد الكبرى التي يرتكز عليها أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى كثيراً في مسائله وفتاويه ، وهذه القاعدة تفيد أن الاعتبار إنما هو بالمعاني والمقاصد في الأقوال والأفعال ، فالأقوال التي اختلفت ألفاظها واتفق معناها شيء واحد ، والتي اتفقت ألفاظها واختلفت مقاصدها ومعانيها ليست شيئاً واحداً فالاعتبار في العقود والأفعال إنما هو حقائقها ومقاصدها دون ظواهرها وألفاظها ، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
القصود في العقود معتبرة
أقول : قوله ( القصود ) : جمع قصد وهو إتيان الشيء وأمّه ، يقال قصدته قصداً ومقصداً إذا يممت نحوه ، ويراد بها هنا : النيات والبواعث الباطنية والإرادات النفسية ، وقوله ( معتبرة ) : أي أنه يعتد بها شرعاً وتكون مؤثرة في العقود في حلها وحرمتها فقد تكون صورة العقد والفعل واحدة لكن يكون هذا حلالاً وهذا حراماً باعتبار المقاصد والنيات ، وهذه القاعدة من القواعد الكبرى التي يرتكز عليها أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى كثيراً في مسائله وفتاويه ، وهذه القاعدة تفيد أن الاعتبار إنما هو بالمعاني والمقاصد في الأقوال والأفعال ، فالأقوال التي اختلفت ألفاظها واتفق معناها شيء واحد ، والتي اتفقت ألفاظها واختلفت مقاصدها ومعانيها ليست شيئاً واحداً فالاعتبار في العقود والأفعال إنما هو حقائقها ومقاصدها دون ظواهرها وألفاظها ، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" ومن تدبر مصادر الشريعة ومواردها تبين له أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها معانيها بل جرت على غير قصد منه كالنائم والناسي والسكران والجاهل والمكره والمخطىء من شدة الفرح أو الغضب أو المريض ونحوهم ، ولم يكفر من قال من شدة فرحه براحلته بعد إياسه منها : (( اللهم أنت عبدي وأنا ربك )) فكيف يعتبر الألفاظ التي يقطع بأن مراد قائلها على خلافها " اهـ .
قلت : وبالجملة فإن أعمال المكلفين وتصرفاتهم القولية والفعلية تختلف نتائجها وأحكامها الشرعية باختلاف مقاصدهم وغاياتهم من وراء تلك العمال والتصرفات ، وهذا عام في كل الأقوال والأعمال ، وليس في العقود فقط ولكن لما كان الكلام هنا عن المعاملات والعقود أخرجنا القاعدة مخصوصةً بها ، فعند حصول العقود فإنه لا ينظر للألفاظ التي يستعملها العاقدان وإنما ينظر إلى مقاصدهم الحقيقية من الكلام الذي يلفظ به حين العقد لأن المقصود الحقيقي هو المعنى وليس اللفظ ولا الصيغة المستعملة لأن الألفاظ ما هي إلا قوالب للمعانى ، إلا أنه ينبغي التنبيه على أن اعتبار المقاصد إنما هو فيما بين العبد وربه ، وذلك لأن المقاصد أمور باطنية لا تظهر غالباً ، ولكن إذا تبين لنا شيء منها فإنه لا يهمل بل هو المعتبر دون اللفظ ، والدليل على صحة هذه القاعدة عدة أشياء :-
منها : قوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادا إصلاحاً } وقوله تعالى : { ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا } وذلك نص في أن الرجعة إنما ملكها الله تعالى لمن قصد الصلاح دون من قصد الضرار وهذا دليل على اعتبار المقاصد وبناءً عليه فمن ظهر منه إرادة المضارة في الرجعة فإنه لا يمكن منها بل يحرمها والله أعلم .
ومن الأدلة : قوله تعالى في الخلع : { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فدل ذلك على أن الخلع المأذون فيه إنما يباح إذا ظنا أن يقيما حدود الله ، وكذلك قوله تعالى : { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله } فبينت هذه الآية أيضاً أن النكاح المأذون فيه إنما هو لمن ظنا به أن يقيما حدود الله ، وهذا مرجعه إلى المقاصد والنيات والله أعلم .
ومن الأدلة أيضاً : قوله تعالى في الوصية : { من بعد وصية يوصى بها أو دية غير مضار } فإنما قدم الله الوصية على تقسيم الميراث إذا لم يرد بها صاحبها المضارة فمن قصد الضرار فللورثة إبطالها وعدم تنفيذها ، وهي أي الوصية عقد من العقود وهذه الآية تبين أن مبناه على المقصد مما يدل على اعتبار المقاصد والنيات والإرادات في العقود والله أعلم .